مقدمة
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة ويزداد فيه الضغط النفسي، لا يزال الفصام من أكثر الاضطرابات النفسية غموضًا وإثارة للفضول العلمي والإنساني على حد سواء. بوصفه اضطرابًا عقليًا مزمنًا يؤثر على طريقة تفكير الفرد وشعوره وتصرفاته، يترك الفصام أثرًا عميقًا على الحياة اليومية للمصابين به، وكذلك على أسرهم ومجتمعاتهم.
في هذا المقال، سوف نستعرض الموضوع من جوانبه المختلفة، بدءًا من تعريف الفصام وأعراضه، مرورًا بأبرز أسبابه والعوامل الوراثية والبيئية المرتبطة به، وصولًا إلى أحدث طرق العلاج والدعم النفسي، مدعومين بمراجع علمية حديثة وموثوقة.
ما هو الفصام؟
الفصام (Schizophrenia) هو اضطراب نفسي مزمن يتسم بتشوش في التفكير، تغيّر في السلوك، اضطراب في العواطف، وأوهام أو هلوسات. لا يعني أن الشخص يمتلك شخصيات متعددة كما هو شائع، بل هو خلل في كيفية تفاعل الدماغ مع الواقع.
أبرز أعراض الفصام:
- الهلوسة: سماع أصوات غير موجودة (الأكثر شيوعًا).
- الأوهام: معتقدات خاطئة ومُرسخة لا تستند إلى الواقع.
- تشوش التفكير: صعوبة في تنظيم الأفكار والكلام.
- تغيرات سلوكية واجتماعية: انسحاب من العلاقات، بلادة في المشاعر، انخفاض الدافعية.
- انخفاض الأداء اليومي: في الدراسة، العمل، أو العلاقات.
الأسباب المحتملة للفصام: ماذا يقول العلم؟
الفصام ليس نتيجة سبب واحد، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين الوراثة والعوامل البيئية والتوتر النفسي.
1. العوامل الوراثية:
تلعب الجينات دورًا مهمًا في زيادة القابلية للإصابة. الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي للفصام أكثر عرضة لتطوره. ولكن، لا يوجد “جين الفصام” المحدد، بل مجموعة من الطفرات الوراثية المرتبطة بوظائف الدماغ.
2. العوامل البيئية:
- الضغط النفسي خلال مراحل النمو الحرجة (مثل الطفولة أو المراهقة) يزيد من خطر الإصابة، خاصة لدى من لديهم استعداد وراثي.
- الحرمان من النوم ، يمكن أن يسبب أعراض ذهانية تشبه الفصام مؤقتًا.
- الإصابات الدماغية أو مضاعفات الولادة.
- العيش في بيئات حضرية عالية الكثافة أو التعرض للتمييز.
الفصام والذهان ما بعد الولادة
في دراسة Işık (2018)، تبين أن النساء قد يعانين من ذهان ما بعد الولادة وهو نوع نادر من الذهان يمكن أن يشبه أعراض الفصام. ويستدعي تدخلًا فوريًا وعلاجًا نفسيًا دقيقًا.
التفاعل بين الجينات والبيئة: تفسير علمي دقيق
الجينات تُفعّل أو تتأثر بناءً على البيئة المحيطة. فمثلًا، الشخص الذي لديه استعداد وراثي قد لا يطور المرض إلا إذا تعرض لضغط نفسي شديد أو لظروف بيئية صعبة.
الطبيعة والصحة النفسية: قوة الشفاء الصامتة
قد تلعب الطبيعة دورًا وقائيًا ضد الاضطرابات النفسية. الأشخاص الذين يقضون وقتًا في الهواء الطلق والطبيعة يتمتعون بانخفاض مستويات التوتر، وتحسن في التركيز والمزاج، مما يقلل من احتمالية الإصابة بالفصام أو يخفف من أعراضه.
التشخيص: كيف يتم تشخيص الفصام؟
يعتمد تشخيص الفصام على تقييم سريري نفسي دقيق يتضمن:
- مقابلات نفسية متعمقة
- تتبع التاريخ المرضي والعائلي
- ملاحظة الأعراض لمدة لا تقل عن 6 أشهر
لا يوجد اختبار دم أو فحص تصويري يؤكد التشخيص، لكن بعض الفحوصات قد تُستخدم لاستبعاد أسباب أخرى للأعراض.
علاج الفصام: هل يمكن الشفاء؟
الفصام ليس له “علاج نهائي” حتى الآن، لكنه قابل للتحكم بشكل كبير. يعتمد العلاج على:
1. الأدوية المضادة للذهان:
تساعد في تقليل الهلوسة والأوهام، وتحسن التفكير..
2. العلاج النفسي:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
- التدريب على المهارات الاجتماعية
- الدعم الأسري والعلاج الأسري
3. الدعم الاجتماعي والتأهيلي:
مهم جدًا للحفاظ على استقرار الحالة ومنع الانتكاسات.
الوقاية من الفصام: هل هي ممكنة؟
لا يمكن منع الفصام تمامًا، لكن يمكن تقليل مخاطره عبر:
- تجنب الإدمان وتعاطي المخدرات (خاصة القنب)
- التعامل المبكر مع التوتر والقلق
- تقوية العلاقات الاجتماعية والدعم الأسري
- النوم الكافي وتجنب الإرهاق المزمن
- التوجه للطبيعة وتخفيف الضغوط الحضرية
خاتمة
إن الفصام ليس حُكمًا نهائيًا على الشخص، بل هو نداء لفهم أعمق للنفس والعقل. كلما ازداد الوعي حول المرض، قلّت وصمة العار وزادت فرص العلاج والتأقلم.
هل أنت أو من تحب بحاجة لمن يسمعك؟
الفصام ليس نهاية، بل بداية لرحلة جديدة. إذا شعرت بالحاجة للدعم، لا تتردد في طلب استشارة سرية وآمنة عبر موقع “نصغي“
أو احصل على استشارة نفسية مجانية
0 تعليق