مقدمة

النشأة تحت جناح أم نرجسية قد تشبه العيش تحت ضوء خافت؛ حاضر لكنه لا يدفئ، دائم لكنه لا يمنح الطمأنينة.
قد لا تظهر الجراح على الجسد، لكنها تُنقش بعمق في أعماق الروح، تؤثر على احترام الذات، العلاقات، وحتى الرؤية الداخلية للذات.

هذا المقال يأخذك، عزيزي القارئ، في رحلة لفهم معاناة الأبناء الذين نشأوا مع أم نرجسية: كيف يتكون هذا النمط من الأمهات؟ لماذا يتحولن إلى نرجسيات؟ وكيف يمكنك التعامل مع هذه العلاقة المؤلمة بوعي واحترام، دون أن تكرر دائرة الألم أو تسقط في فخ الإساءة المقابلة؟

من هي الأم النرجسية؟

الأم النرجسية ليست مجرد أم تحب نفسها أكثر قليلاً من المعتاد؛ بل هي أم تستخدم أبناءها كمرآة لتعظيم صورتها الذاتية.
هي تضع احتياجاتها الخاصة فوق احتياجات الطفل، وتسعى دوماً للحصول على الإعجاب والتقدير، ولا تتحمل النقد، مهما كان بسيطًا.

والأم النرجسية غالباً ما تفتقر إلى القدرة على رؤية أبنائها ككيانات مستقلة لها احتياجاتها ومشاعرها الخاصة. بدلاً من ذلك، تعتبرهم امتداداً لذاتها وتستخدمهم لتعزيز صورتها أمام الآخرين. تتميز هذه الأم بالسيطرة، الحاجة المستمرة للإعجاب، وعدم القدرة على التعاطف الحقيقي مع معاناة أطفالها.

إن الأم النرجسية قد تُظهر نوعين رئيسيين من السلوكيات:

• النمط العلني: متعجرفة، مهيمنة، تريد أن تكون مركز الاهتمام دائمًا.
• النمط الخفي: تلعب دور الضحية، تستخدم التلاعب العاطفي، وتحمل الطفل مسؤولية سعادتها أو فشلها.

أسباب تحوّل الأم إلى شخصية نرجسية

لفهم لماذا تصبح بعض الأمهات نرجسيات، يجب أن نعود خطوة إلى الوراء وننظر إلى طفولتهن.
تشير الأبحاث  إلى عدة أسباب محتملة:

1. الحرمان العاطفي في الطفولة

الكثير من الأمهات النرجسيات كنّ ضحايا للإهمال العاطفي أو النقد القاسي أثناء نشأتهن، مما دفعهن لبناء “درع نرجسي” يحميهن من الألم الداخلي.

2. التربية المشروطة بالحب

حين يتم تعليم الطفل أن قيمته تعتمد على إنجازاته أو مظهره فقط، يتعلم أن يحارب باستمرار لإثبات جدارته، ما قد يغذي أنماط التفكير النرجسية لاحقًا.

3. الصدمات النفسية

تعرض الأم لصدمات مثل الطلاق العنيف، الفقد المبكر لأحد الوالدين، أو الاعتداء قد يدفعها إلى تكوين شخصية نرجسية دفاعية للبقاء.

4. النمذجة الأسرية

إذا نشأت الأم في بيت تحكمه نرجسية أحد الوالدين، فقد تتبنى هذا السلوك دون وعي كنموذج للعلاقات.

كيف تؤثر الأم النرجسية على نفسية أبنائها؟

قد تؤدي النشأة تحت ظل أم نرجسية إلى :

• مستويات مرتفعة من النقد الذاتي المدمر.
• زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق.
• تشويه صورة الذات وشعور دائم بعدم الكفاية.

مظاهر نفسية شائعة بين الأبناء

• الشعور المستمر بالذنب أو الخوف عند اتخاذ قرارات مستقلة.
• البحث المفرط عن رضا الآخرين.
• صعوبة إدراك الحدود الشخصية السليمة.
• الشعور بالضياع في تحديد الهوية الذاتية.

العلامات التي قد تدل أنك نشأت مع أم نرجسية

بعض الإشارات على أنّ الأم كانت ذات شخصية نرجسية:

• تجاهل دائم لمشاعرك واحتياجاتك.
• استخدام الإذلال أو المقارنة لإحباطك.
• تحكم زائد بمسار حياتك أو اختياراتك.
• تسليط الضوء على إخفاقاتك وتجاهل إنجازاتك.

التعامل مع الأم النرجسية باحترام: كيف تحمي نفسك دون إساءة؟

من السهل أن نشعر بالغضب تجاه الأم النرجسية، لكن الغضب وحده لا يشفي، بل قد يزيد الألم عمقاً.
لذلك، التعامل الحكيم يقوم على التوازن: حماية الذات دون إهانة الطرف الآخر.

1. فهم أنها متألمة

تذكر أن الأم النرجسية ليست شريرة بطبيعتها؛ هي شخص جُرح في وقت مبكر. هذا لا يبرر السلوك، لكنه يفسر الدافع.

2. تجنب الدخول في معارك جدلية

النقاش مع شخصية نرجسية عادةً ما يتحول إلى معركة إثبات من المخطئ، وهو طريق مسدود. اختَر معاركك بحكمة.

3. ضع حدوداً واضحة بلغة هادئة

مثلاً: “أنا أحبك وأحترمك، لكنني أحتاج أن يتم احترام قراراتي.”

4. تجاهل محاولات إثارة الشعور بالذنب

لا تنجر لمحاولة تبرير اختياراتك، فالأم النرجسية قد تحاول استخدام الذنب كسلاح للسيطرة.

5. العناية بالذات

التعامل مع أم نرجسية مرهق، لذا من الضروري أن تهتم بصحتك النفسية عبر جلسات علاجية، دعم اجتماعي، وتمارين تهدئة مثل: التأمل واليقظة الذهنية.

خاتمة

النشأة مع أم نرجسية قد تترك ندوباً خفية، لكنها لا تحدد مصيرك.
اليوم، بين يديك مفاتيح الوعي والتعافي.
أنت تستحق أن ترى نفسك بعيون المحبة التي لم تُمنح لك في الطفولة، وتستحق أن تعيش حياة مليئة بالكرامة والسكينة.

أنت لست وحدك

من أصعب الدروس التي يتعلمها أبناء الأمهات النرجسيات أن الحب لا يعني التضحية بالنفس.
من حقك أن تحب أمك، وأن تحب نفسك أيضاً.

طلب المساعدة النفسية خطوة شجاعة، وليست علامة ضعف.
استعادتك لقيمتك الداخلية تبدأ حين تعترف بألمك وتلتزم برعاية نفسك.

لهذا، نوصيك بالتواصل مع متخصصين يفهمون ديناميكيات العلاقات النرجسية عبر منصات موثوقة مثل “نصغي“، حيث تجد أذناً صاغية ودعماً يساعدك على بناء حياة متزنة مليئة بالسلام الداخلي.

أو اطلب استشارة نفسية أو أسرية مجانية.

المراجع

• المرجع الاول
• المرجع الثاني
• المرجع الثالث